الإمام علي.. العدالة المغتالة
حسن الكعبي
حسن الكعبي/ناقد وكاتب عراقي
تخضع ملابسات اغتيال أمير المؤمنين إلى قراءات تشير إلى أن مرد مؤامرة الاغتيال إلى الاختلاف العقائدي بين الامام علي من جهة وفئة الخوارج من جهة والذين كانوا في صفوف جنده في معركة صفين، وبعضهم من القادة، الذين تمردوا عليه بعد حادثة رفع المصاحف التي جاءت بتدبير من عمرو بن العاص والذي نجح في شق صفوف جند الإمام ، ومما عمق هوة الاختلاف حادثة تحكيم أبي موسى الأشعري المشينة والتي جرت بمشيئة الخوارج والضغط على الإمام من قبلهم الأمر الذي اضطره إلى الإذعان مع علمه المسبق بنتائج هذا التحكيم، ولكن بعد أن تكشفت لهم النتائج التي آلت لصالح معاوية فانهم حملوا، سوء التدبير إلى الإمام علي في سياق تأويلات مراوغة للنتائج وقد استطاع الإمام علي دحضها، لكن منطق الحجاج والقرائن التي اقامها لم تلق عندهم قبولا، فكانت النتيجة حرب النهروان التي اوغرت صدور الناجين منهم، فتم تدبير مؤامرة لاغتيال الامام علي ومعاوية وعمرو بن العاص، وإن كان المقصود هو الامام علي وورود الاسماء في قائمة الاغتيال يأتي في سياق التمويه على المؤامرة واكسابها طابع المقبولية عند من وقع عليهم اختيار التنفيذ.
تحمل هذه القراءة وهي المشهورة جانبا كبيرا من الصحة باعتبار ارتهانها للمعطيات التاريخية التي أحاطت بهذه الحادثة وتكفلت بمجملها بتفسير تلك الملابسات، لكن القراءة الواعية المتابعة لسيرة الامام وطبيعة إدارته لمنظومة الحكم بعد أن آلت الخلافة إليه بعد مقتل الخليفة الثالث تقع على طبقات دلالية أعمق في تفسير ملابسات مؤامرة الاغتيال، فبالرجوع إلى منظومة الاصلاح التي أجراها في طبيعة الحكم والتي خالفت المنهجية التي عمل بها الخلفاء السابقون، تتكشف الخلفية التاريخية للمؤامرة، ونقصد بذلك إجراءات الإصلاح الذي أحدثه في طبيعة التوزيع العادل لرعيته وتجريد الصحابة السابقين عن امتيازاتهم في العطاء وهي امتيازات تخضع لمزاج واجتهادات الخلفاء، والتي نظر اليها الإمام من زاوية كونها اجتهادات ساهمت بايجاد طبقية واضحة في المجتمع الإسلامي ، وظهر ضمن هذا المستوى الطبقي رأسماليون هم من كبار الصحابة من أمثال الزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف الذين تشير الروايات بأن أموالهم في تلك الفترة كانت تكسر بالفؤوس في دلالة على المراكمة للاموال، هذا إزاء طبقة معدومة عمد الامام علي على مساواتهم في العطاء من خلال تجريد تلك الطبقة الرأسمالية من امتيازاتها، وهو تجريد لم يرض الصحابة.
ان هذه السياسة في طبيعة الحكم كانت المؤشر على قتله، وقد تنبه اليها المقربون منه فاشاروا الى ان (عدالته ستقتله)، وبالفعل فأن حرب الجمل كانت أول بوادر المؤامرة في الانقلاب على حكمه والمسعى الى قتله، لكن فشل تلك المؤامرة اسفر عنه مؤامرات اخرى لم تفلح الا في التدبير الاخير الذي كان ضحيته نفر من الخوارج تم استغفالهم عقائدياً لتنفيذ تلك المؤامرة التي تستهدف القضاء على الاساس العادل في ادارة نظام الحكم، بمعنى آخر ان ظاهر المؤامرة كان عقائديا لكنه في جوهره سياسياً يرمي الى تغييب العدالة لصالح الطموح الشرس في الاستحواذ المادي عند الصحابة.

ارسال التعليق