شعار انتخابي مسروق!

ندى سلطان

في فترة معينة كنت من المتابعين للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما منذ بدأ حملته الانتخابية وفاز بالرئاسة وحتى تسليمه الرئاسة ومغادرته البيت الأبيض بعد ولايتين تاريخيتين ... باراك أوباما انتُخب بعد الأزمة المالية العالمية الكبرى (2008).. وسط غضب شعبي من سياسات جورج بوش الابن والحروب الطويلة في العراق وأفغانستان.

 



ندى سلطان /شاعرة وكاتبة عراقية

 

في فترة معينة كنت من المتابعين للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما منذ بدأ حملته الانتخابية وفاز بالرئاسة وحتى تسليمه الرئاسة ومغادرته البيت الأبيض بعد ولايتين تاريخيتين ... باراك أوباما انتُخب بعد الأزمة المالية العالمية الكبرى (2008).. وسط غضب شعبي من سياسات جورج بوش الابن والحروب الطويلة في العراق وأفغانستان.
ظهر أوباما آنذاك كـ( رمز للتغيير)  بشخصية هادئة وكاريزمية وقدرة خطابية استثنائية جعلت الناس يصدقون أن مرحلة جديدة في التاريخ الأميركي بدأت.
ما أعجبني فيه أنه كان سياسياً هادئاً.... ولم يخض حملته الانتخابية بالتشهير والطعن بمرشح الحزب الآخر، ولم يكسب عداوات لا في فترة ترشحه ولا رئاسته ولا مغادرته كرسي الرئاسة.. وجل ما انتقده في المنظومة كان نقداً منطقياً يشخص الخلل في بنية النظام لا في الشخوص.. شعار أوباما الانتخابي كان (Yes We Can)  (نعم.. نحن نستطيع) .. وكان شعاراً لافتاً وبسيطاً وجريئاً بنفس الوقت كشف عن شخصية تتحدى الواقع الأمريكي المأزوم واقتصاده القائم بصورة شبه كلية على الديون، ودولة انهكتها الحروب واستنزفت طاقاته عسكرياً وأمنياً ، وانعدام فرص العمل والضرائب المهولة والسياسة الخارجية المتدهورة بعد الولاية الدامية لبوش الابن.. الشعار لم يكن مجرد دعاية انتخابية، بل كان وعداً جماعياً بأن التغيير ممكن إذا توحد الشعب. أما ترجماته العملية كانت ترتكز على ثلاث قيم رئيسية :
الأمل Hope، التغيير Change، الوحدة الوطنية Unity

سياسات أوباما الداخلية :

أولاً : إنقاذ الاقتصاد الأمريكي
بعد توليه الحكم كانت الولايات المتحدة تعاني من ركود قاسٍ. فأطلق أوباما خطة ضخمة لتحفيز الاقتصاد بقيمة 787 مليار دولار لدعم البنوك، وشركات السيارات، والبنية التحتية. فكانت النتيجة :
- انخفاض البطالة تدريجياً.
-تعافي الاقتصاد الأمريكي بحلول 2012.

لكنه واجه انتقادات بأن خطته أنقذت وول ستريت أكثر من الطبقة الوسطى.

ثانياً : إصلاح نظام الرعاية الصحية
مشروعه الأبرز كان قانون الرعاية الصحية الشاملة المعروف باسم  ObamaCare وكان هدفه جعل التأمين الصحي متاحاً للملايين من الأميركيين الذين لم يكن بإمكانهم تحمل تكاليفه. فكانت النتيجة حصول أكثر من 20 مليون شخص على تأمين صحي لأول مرة. لكنه واجه معارضة شرسة من الجمهوريين الذين رأوه تدخلاً حكومياً مفرطاً.

ثالثاً : سياسات اجتماعية ليبرالية
دعم زواج المثليين وحقوق الأقليات وهذا ما جعل شعبيته تتراجع ويحظى الجمهوريون ببطاقة رابحة ضده، ودافع عن المرأة في سوق العمل. وشدد قوانين حماية البيئة ووقع اتفاق باريس للمناخ لاحقاً. ودعم المهاجرين غير الشرعيين بقرارات مثل DACA التي حمت مئات الآلاف من الترحيل.
كانت هذه السياسات تجسد البعد الإنساني في نظره من شعار Yes We Can، بتوسيع مفهوم (نحن) ليشمل الجميع.

رابعاً : سياساته الخارجية
- العراق وأفغانستان : وعد أوباما بإنهاء الحروب الطويلة. وسحب أغلب القوات الأمريكية من العراق عام 2011.ولكنه أبقى على وجود استخباراتي وعسكري محدود لمواجهة (داعش) لاحقاً. وفي أفغانستان، قلص عدد القوات تدريجياً دون تحقيق نصر حاسم. وهنا يظهر أن شعاره لم يتحقق بالكامل في السياسة الخارجية، إذ ظل مقيداً بمصالح الأمن القومي الأمريكي.

- الاتفاق النووي مع إيران (2015) : كان هذا إنجازاً دبلوماسياً كبيراً ، هدف إلى منع إيران من امتلاك سلاح نووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. لكن خصومه وعلى رأسهم دونالد ترامب، هاجموا الاتفاق بشدة لاحقاً.

- الربيع العربي والتدخل في ليبيا وسوريا : أوباما دعم الثورات العربية خطابياً تحت شعار الديمقراطية، لكنه كان حذراً جداً من التدخل العسكري. وشارك في تدخل الناتو بليبيا عام 2011 وساهم في إسقاط القذافي. لكنه رفض التدخل في سوريا، رغم استخدام النظام للأسلحة الكيماوية، ما اعتبره البعض تراجعاً عن مبادئه. فكانت النتيجة:
سياسة خارجية مترددة واقعية أكثر من مثالية سعت لتجنب الحروب لكنها تركت فراغاً استغلته قوى أخرى (روسيا، إيران، داعش).

السؤال هنا وجوهر ما أريد قوله هل طبق فعلاً شعار (Yes We Can) ؟؟؟

الاقتصاد :  أنقذ أمريكا من أزمة مالية كبرى وأعاد الثقة بالأسواق.
الصحة والمجتمع :  أحدث تحولات تاريخية في الرعاية الصحية وحقوق الأقليات.
السياسة الخارجية : جزئي جنب بلاده حروباً جديدة لكنه ترك مناطق مثل الشرق الأوسط في فوضى.

من هنا يجب أن نضع القارئ أمام حقيقة أن الشعار الانتخابي ليس مجرد عبارة تكتب على لافتة يقرأها العامة في الشوارع، لكنه عهد شرف قد لا يملكه أغلب من يشاركون في عملية التحول الديمقراطي للأنظمة الحاكمة والمتمثل بالانتخابات. وأن شعار (Yes We Can) الذي سرقه ويرفعه أحد المرشحين مترجمة إلى لغة أخرى شعار مفرغ من محتواه ، ويراد به التنكيل من قومية ضد أخرى تحديداً في كركوك، وأن السياسي الحقيقي يختار شعاره على أساس ما بين يديه من معطيات واقعية مجتمعية مستنداً إلى ثوابت وطنية ووعوداً بخدمات للناس لا على أساس الإعجاب بشخصية (رئيس أمريكي ينتمي لقارة أخرى) مع فارق أن المرشح كان باراك أوباما وأصبح رئيس أشرس دولة في العالم وليس مرشح قومي لمجلس النواب.

شعار ( Yes We Can) كان واقعاً داخلياً وطموحاً خارجياً.
فأوباما أعاد إلى السياسة الأمريكية لغة الأخلاق والأمل، لكنه اصطدم بجدار المؤسسات، والكونغرس الجمهوري، والمصالح العميقة للدولة الأمريكية.
ومع ذلك، يبقى في الذاكرة كزعيم أحيا الثقة بالسياسة في زمن كان فيه العالم متعباً من الحرب وفخ الخوف. ويبقى صاحبنا المرشح بعد الفوز يضرب أخماسه بأسداسه ولن يحقق شيئاً من شعاره ولو دخل إبليس للجنة!

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق