الإنسان في عصر السرعة: هل نعيش أم نُستَهلَك؟

لم يعد الزمن يمشي، بل يركض. نحن جيل يعيش في عالم تُختصر فيه الأعوام في أشهر، والأيام في ساعات، والقرارات في ثوانٍ. في هذا العالم المتسارع، لم يعد الإنسان هو سيد إيقاع الحياة، بل أصبح تابعاً لإيقاعها. كل شيء حولنا يقول: أسرع..ثم أسرع.. ولا تسأل لماذا.

 رضوان الزيباري / كاتب وباحث عراقي

 


لم يعد الزمن يمشي، بل يركض.
نحن جيل يعيش في عالم تُختصر فيه الأعوام في أشهر، والأيام في ساعات، والقرارات في ثوانٍ. في هذا العالم المتسارع، لم يعد الإنسان هو سيد إيقاع الحياة، بل أصبح تابعاً لإيقاعها. كل شيء حولنا يقول: أسرع..ثم أسرع.. ولا تسأل لماذا.
إن الحضارة الحديثة لم تُصنَع لتمنح الإنسان وقتاً أطول للحياة، بل لتستخرج منه طاقة أكبر في زمن أقصر. أنت لا تعمل فقط، بل تتم مراقبة إنتاجك، وقياس سرعتك، ومقارنة إنجازك بغيرك دون توقف. وحتى لحظات المتعة لم تعد ملكك: المنصات تقترح عليك ما تشاهد، والمتاجر تقترح ما تشتري، والخوارزميات تقترح كيف تفكر.
لقد تحوّل الزمن من وعاء نعيش فيه إلى آلة تطحننا.
صرنا نأكل بسرعة، نتواصل بسرعة، نحب بسرعة، وننسى بسرعة. حتى الحزن لم يعد يملك الوقت الكافي لكي ينضج، ولا الفرح يملك المساحة ليكتمل. أضحى الإنسان كائناً مستهلكاً لا كائناً حياً، يستهلك الأخبار، يستهلك الأفكار، يستهلك الوجوه، ويُستهلك هو نفسه على مراحل دون أن يشعر.
الخطورة ليست في السرعة ذاتها، بل في ضياع المعنى خلفها. فالإنجاز بلا تأمل، علَمٌ بلا وعي، ثراءٌ بلا غاية، نجومية بلا قيمة. الحضارة الرقمية منحتنا القدرة على فعل كل شيء إلا شيئاً واحداً؛ أن نكون أنفسنا دون ضغط الزمن. لا نجاة للإنسان من هذا الطوفان إلا بإعادة تعريف العلاقة مع الوقت. ليس عبر الهروب إلى الماضي، ولا عبر التمرد على التكنولوجيا، بل عبر استعادة ملكية الإيقاع؛ أن نقرر متى نتوقف، ومتى نصمت، ومتى نقول لا. فالإنسان لا يفقد عقله مرة واحدة، بل يفقده حين يسمح للزمن أن يتكلم بدلاً منه.
إن السؤال الحقيقي اليوم، ليس
كيف نلحق بالعصر؟ بل، كيف لا نذوب فيه..؟!
 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق