المعلم في المدارس الأهلية: عبودية مقنّعة تهدد التعليم
نور الهنا
نور الهنا /كاتبة عراقية
حين نقترب من واقع المدارس الأهلية في بلادنا، نصطدم بوجه مظلم لا يتجرأ كثيرون على الحديث عنه: استعباد المعلم. هذه ليست مبالغة لغوية، بل توصيف صادق لحال آلاف المعلمين الذين يجدون أنفسهم عالقين في منظومة استغلالية قاسية، لا تختلف كثيرًا عن أشكال العبودية الحديثة.
المعلم في المدرسة الأهلية يعمل ساعات طويلة، بأجور زهيدة لا تكفي لسد رمق عائلة صغيرة، بلا ضمان اجتماعي، ولا تأمين صحي، ولا أي أمان وظيفي. يُعامل أحيانًا كعامل يومي يمكن الاستغناء عنه في أي لحظة، وكأن رسالته التعليمية لا وزن لها أمام حسابات مالية باردة.
الأخطر من ذلك أن هذه المدارس تعمل في ظل غياب شبه تام لرقابة وزارة التربية. لا محاسبة، لا متابعة، لا نظام يضبط العلاقة بين الإدارة والمعلم. وكأن هذه المؤسسات تقع خارج حدود القانون. والنتيجة: إدارات تُراكم الأرباح على حساب المعلم، وتتعامل معه كسلعة لا كإنسان ولا كصانع أجيال.
كيف نرجو من معلمٍ مسحوق تحت ثقل الديون والهموم أن يكون مبدعًا داخل الصف؟
وكيف نبني تعليمًا رصينًا إذا كان من يقف في المقدمة، حاملاً رسالة التنوير، يشعر بالظلم والقهر والخذلان؟
إنّ التعليم الأهلي تحوّل في كثير من حالاته إلى مشروع تجاري بحت، لا رسالة فيه ولا التزام بالقيم التربوية. الطلاب أقساط شهرية، والمعلم وسيلة رخيصة لضمان الأرباح. وهنا يكمن الخطر الأكبر: حين يصبح التعليم سلعة، والمعلم عبدًا، تنهار أركان المستقبل.
إن حماية المعلم ليست ترفًا ولا مطلبًا شخصيًا، بل هي مسؤولية وطنية. من دون تشريعات صارمة تفرض على المدارس الأهلية ضمان حقوق المعلم، ومن دون رقابة حقيقية تحاسب المسيئين، سنبقى ندور في حلقة مفرغة، حيث يُستنزَف المعلّم وتُفرغ العملية التعليمية من جوهرها.
المعلم هو حجر الزاوية في أي نهضة. إن لم نصن كرامته ونحمه من الاستغلال، فلن نملك مستقبلًا نفاخر به.
وما يحدث اليوم في المدارس الأهلية ليس مجرد خلل إداري، بل هو جريمة صامتة بحق التعليم والمجتمع والأجيال القادمة.

ارسال التعليق