حين يبكي التاريخ: ذكرى رحيل النبي محمد ﷺ

رياض عبدالواحد

في مثل هذه الأيام، تتناثر الدموع على صفحات التاريخ، وتغدو القلوب مثقلة بالوجع، إذ نستذكر رحيل من كان للعالمين رحمة، ومن غاب جسداً وبقي نوراً لا ينطفئ. إن موت النبي محمد ﷺ لم يكن حدثاً عادياً، بل كان انكساراً كونيّاً، ارتجّت له السماء، وضجّت الأرض، وارتعشت قلوب المؤمنين حتى اليوم. لقد رحل رسول الله ﷺ بعد أن بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وعلّمنا كيف نكون بشراً نمشي على الأرض برفق، وكيف نُقيم لله حقّه، ونزرع في قلوبنا الرحمة قبل القوة، والعدل قبل السلطة. ومع ذلك، ما أشدّ خيبتنا أمام وصاياه التي كثيراً ما ضيّعناها!

رياض عبدالواحد 
باحث وكاتب | عراقي

 

في مثل هذه الأيام، تتناثر الدموع على صفحات التاريخ، وتغدو القلوب مثقلة بالوجع، إذ نستذكر رحيل من كان للعالمين رحمة، ومن غاب جسداً وبقي نوراً لا ينطفئ. إن موت النبي محمد ﷺ لم يكن حدثاً عادياً، بل كان انكساراً كونيّاً، ارتجّت له السماء، وضجّت الأرض، وارتعشت قلوب المؤمنين حتى اليوم.
لقد رحل رسول الله ﷺ بعد أن بلّغ الرسالة، وأدى الأمانة، وعلّمنا كيف نكون بشراً نمشي على الأرض برفق، وكيف نُقيم لله حقّه، ونزرع في قلوبنا الرحمة قبل القوة، والعدل قبل السلطة. ومع ذلك، ما أشدّ خيبتنا أمام وصاياه التي كثيراً ما ضيّعناها!
دموع القلب قبل دموع العين
أيُّ عين لا تدمع حين تتذكر آخر لحظاته، وهو على فراش المرض يرفع بصره إلى السماء ويقول: «بل الرفيق الأعلى»؟ أي قلب لا ينزف وهو يستحضر دموعه من أجلنا، حين قال: «أمتي.. أمتي»؟ لقد كان يحملنا في قلبه أكثر مما حملنا نحن أنفسنا، كان يخشى علينا من النار أكثر مما نخشى نحن على أنفسنا.
درس في الفقر والتواضع
رحل رسول الله ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي، ورحل وهو ينام على حصير يترك أثره على ظهره الشريف، ورحل ولم يترك قصوراً ولا خزائن، بل ترك لنا ميراثاً من القيم والحقائق، أعظم من كنوز الأرض كلها. أي عظمة أعظم من أن يغادر سيد الخلق الدنيا، وهو لم يجمع منها إلا ما يقيم صلبه، ويثبت عدله؟
الفاجعة التي لا تندمل
كان موت النبي ﷺ فاجعة للأمة لم تعرف لها مثيلاً. حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف مذهولاً يهدد من يقول إن محمداً قد مات، حتى جاء صوت أبي بكر الصديق رضي الله عنه يذكّر الأمة بالحقيقة الخالدة: «من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت».
ومنذ تلك اللحظة، لم يكن الحزن مجرد شعور، بل أصبح امتحاناً: امتحان الوفاء للنبي ﷺ في الثبات على ما جاء به، لا في البكاء عليه فقط.
أمة بين الوفاء والجحود
اليوم، ونحن نحيي ذكرى وفاته، يجب أن نسأل أنفسنا: ماذا فعلنا بوصاياه؟ هل كنا رحماء كما أمرنا؟ هل كنا إخوة متحابين كما أوصانا؟ أم أننا مزّقنا وصيته، وتنازعنا على دنيا زائلة، حتى خيّبنا آماله؟
إن الدموع التي نذرفها في ذكرى وفاته ليست كافية، ما لم تتحول إلى عهدٍ جديد بالعودة إلى نوره، إلى عدله، إلى رحمته التي وسعت الصغير والكبير، القريب والبعيد، الصديق والعدو.
سلام على من بكى لأجلنا
سلام عليك يا رسول الله يوم ولدتَ نوراً، ويوم هاجرتَ نصيراً، ويوم جاهدتَ معلّماً ومربياً، ويوم ارتحلتَ باكياً لأجلنا. سلام على قلبك الذي كان يتّسع للعالمين، وعلى دمعتك التي كانت أصدق من المطر، وعلى وصاياك التي لا تزال تنتظر من يحفظها.
فلتبكِ العيون، وليدمَ القلب، ليس على رحيلك فقط، بل على تقصيرنا في حقك، وعلى خيانتنا لعهدك، وعلى غفلتنا عن رسالتك التي كانت وستظل أعظم من الدنيا وما فيها.
 

مقالات ذات صلة

ارسال التعليق