
الفلسفة والتشكيك بالمسلّمات.. ضرورة فكرية أم عبث عقلي؟
علاء الأديب
علاء الأديب
ناقد وباحث | عراقي
في زمن تتسارع فيه الأخبار وتتكدّس فيه الآراء، بات من النادر أن يسأل الإنسان نفسه: هل ما أؤمن به حقيقي؟. هنا تتدخل الفلسفة، لا كترفٍ فكري، بل كضرورة لصحوة العقل وتحقيق وعي أعمق. فدور الفلسفة التاريخي والجوهري، عبر العصور، كان ولا يزال هو التشكيك بالمسلّمات التي يرثها الإنسان دون مساءلة.
لماذا نشكّ؟ لأن العقل لا يقبل القيود. منذ سقراط، الذي طاف شوارع أثينا يسأل: ما هو العدل؟ وما هي الفضيلة؟. حتى ديكارت الذي بدأ فلسفته بالشك التام، كانت الفلسفة هي الصوت الذي يزعج راحة "اليقين الكسول".
المسلّمات – سواء كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية – قد تتحول بمرور الزمن إلى أغلال ناعمة تقيّد التفكير.
هنا يصبح الشك أداة تحرر، لا هدم. فهو لا يعني الإنكار، بل يعني الفحص، والتمحيص، والتفكير النقدي.
الفلسفة ضد التلقين:
العقل الفلسفي لا يرتاح للقول: "هكذا وجدنا آباءنا يفعلون". بل يسأل: لماذا؟ وهل ما كانوا عليه صواب؟.
بهذا، تقف الفلسفة في مواجهة التلقين، وتفتح الباب أمام الفكر الحر، والإيمان الواعي بدل الإيمان الوراثي. من هنا، كان الفلاسفة عبر التاريخ مصدر قلق للسلطات، وموضع شبهة لدى من يريدون إجماعًا بلا أسئلة.
شك يبني ولا يهدم:
قد يُساء فهم الفلسفة على أنها دعوة للشك العبثي أو لل (النسبية المطلقة) التي تُنكر كل قيمة.
لكن الفلسفة الجادة لا تفرغ الإنسان من القيم، بل تساعده على إعادة بناءها على أسس صلبة. هي تهدم ما هو هشّ لتبني مكانه ما هو أصح وأصدق. والتشكيك هنا ليس نهاية، بل بدايةٌ لرحلة معرفية تقود إلى وضوح الرؤية.
في زمن الفوضى المعلوماتية.. الفلسفة ضرورة:
في عصر "الترند" و"المعلومة السريعة"، لم تعد المسلّمات تأتي فقط من العائلة أو المجتمع، بل من وسائل الإعلام ومنصات التواصل. فمن يحمي الإنسان من الانجرار وراء الآراء السائدة؟
من يعلّمه أن يتأنى قبل أن يصدق، ويفكر قبل أن يشارك؟
الجواب: الفلسفة، التي تعلّم الإنسان أن لا يأخذ الأمور على عواهنها، وأن يشك في كل شيء... حتى يطمئن عقله.
الفلسفة لا تعني أن نعيش في قلق دائم، بل أن نعيش في وعي دائم. فالتشكيك في المسلّمات ليس تهديدًا للمجتمع، بل حماية له من الجمود، وفتحٌ لباب التجدد والتنوير. وفي عالم يفيض بالادعاءات، يصبح الشك الفلسفي ليس خيارًا، بل ضرورة.
ارسال التعليق